الاثنين، 14 أبريل 2014

طلب صداقة - محمد عجلان


غائص فى نفسي كالعادة، أحاول لململة بقايا رجل يتظاهر بالصمود كي لا يسقط، تتزاحم على رأسه صور الماضي، ويغص قلبه بآلام الحاضر وتخوفات المستقبل، يقتل الوقت الميت على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي كي ينسى ما لايُنسى، ويتجاهل ما يحاصره ليل نهار، يخرج من السياسة إلى الأدب إلى الخرافة إلى السطحية، يرقب من وراء ستارته السميكة ما يدور، يشارك حينا ويحجم أحيانا أخرى. لكن لا الوقت يموت ولا حتى يتحرك، بل يتحول فى كثير من الأحيان إلى أشباح تبشر بآلام جديدة تنضم إلى جوقة الآلام القائمة.

أخرجني من أفكاري إشعار أن ثمة طالب صداقة جديد يطرق عالمي، ولمحت على ملامح الإشعار شيئا من سخرية، كأن لسان حاله يقول: يبدو أن الناس مخدوعة فيك، من هذا الذي يطرق باب الكآبة بمحض إرادته، أصابني الغيظ من تلميحات الإشعار، لكن نفضت غضبي وتحركت للتعرف على الزائر الجديد، فقد وقف ببابي أكثر من اللازم، دلفت من باب الصفحة فى ترقب، وكأني لص يخشى إيقاظ سكان البيت، أول ما صادفني على أبواب الصفحة لوحة مسكونة بالسحر والغموض وُضعت كصورة شخصية. تأملتها قليلا وأنا مأخوذ من وقعها على نفسي، أحسست كأني طرقت باب حلم أسطوري، ألمح بين الحروف واللوحات آلهة صغيرة تتجول فى براءة، ما أن أخرج من لوحة بالألوان حتى تفاجئني لوحة شكلتها الحروف، تعجبت كيف الانتقال بين حقلين بهذه الروعة، رغم أن كل واحد منهما فى حاجة إلى جهد وطاقة إبداع استثنائية، كنت ألمح طيفها خلف ظهري بينما أنا أسير مندهشا عبر صفحتها، باسمة لهذا الزائر الجديد الذي يتلفت يمنة ويسرة كطفل يسرق الحلوى دون علم أمه، استشعرت يدها تربت على كتفي كأنها تقول لي" "لا تعجب فكل ما ترى نزف روح".

بينما أنا فى عزلتي الطوعية عن العالم بين عالمها، فوجئت برسالة منها، كانت تشكرني على قبول الصداقة، ضحكت بيني وبين نفسي، من منا أحق بشكر الآخر! تأخرتُ قليلا فى الرد عليها، كنت أحاول الاتصال بلغتي كي تسعفني، لكن يبدو أن اللغة كانت مشغولة فى اتصال آخر، رغم بساطة ما أرسلتَه فهو لا يتعدى شكرا أستقبله أو أرسله كل يوم ربما عدة مرات، لكن حاصرني شعور أنه لا يمكن أن أرد عليها كالآخرين، فكل شيء يؤكد أنها ليست مثلهم، ولا يليق أن أهديها لغة مستعملة، رأيتها تستحق لغة طازجة.

استجمعت نفسي، كانت اللغة بدأت تعود بعض الشيء، شكرتها على منحي فرصة المرور عبر عالمها السحري، كانت كريمة جدا حين شكرتني ثانية على ردي، لكن الغريب أن الكلمات حين عرفت أني أحادثها استسلمت فى وداعة طفل، خلتها تبتسم ثانية لحروفي الصغيرة، تمد يدها داخل نفسي فتنتقي ما يليق بها، كأنها رأت حيرتي وارتباكي من روعة المفاجأة، فأخذت تقوم بدورها فى جذب الكلمات بما يريحني.

لم أعرفها، فقط وجدتني أتواصل بأنفاس متسارعة وعينين شاخصتين نحو الشاشة، كأني أود أن أمسك بها خشية الاختفاء، تركتها ولغتي يدخلان فى حالة من العزف الثنائي، لكنها كانت سيدة الموقف وكلماتي مجرد تابع مطيع. طرأت أسئلة كثيرة على رأسي، هل ثمة أناس، بشر، خلْق، لهم هذا الوقع على النفس ؟! انتابني شعور بالخوف المفاجئ، فقد عاودتني أوهامي القديمة، كأنها بسحرها قد أزاحت الغطاء عن بئر من خرافات الماضي، هل هي كائن من كوكب آخر مر خطأً عبر صفحتي، هل يحاول هذا الكائن التعرف على الكوكب من خلالي ؟ حتى فكرة عروسة النيل التي زرعتها أمي فى نفسي كشجرة توت أخذت تطل برأسها، لكني حاولت طرد هذه الأفكار الغريبة؛ لأن عقلي أخذته العزة بالحقيقة ورفض استسلامي لتلك الأوهام.

أفقت فجأة حين وصلني ردها على شيء أرسلته، لم تسألني عن شيء وعرفت كل شيء، وأنا كذلك لم أتطرق إلى من هي، لكن كنت كمن يتجول عبر شواطئ روحها فى نزهة صيفية، لم أعرف اسمها إن كان حقيقيا أو مستعارا، تركت نفسي ولغتي تسير فى استكانة نحو ما تريده هي، كنت متعبا جدا وبي رغبة فى السير نائما دون تفكير فى الوجهة، وكانت هي تجيد الطبطبة على ظهر روحي فى روعة حلم، عجبت أني أتحدث معها بكل هذه المتعة دون أن أتحدث فى شيء، شقشقت العصافير فعرفت أني فى هذا الحلم منذ ساعات، فجأة جاءني ردها: صباحك فرح ممتد .. مع السلامة !

مقالات ذات صلة

طلب صداقة - محمد عجلان
4/ 5
بواسطة

إشترك بالنشرة البريدية

لا تترد في الإشتراك عن طريق البريد الإلكتروني،للحصول على أخر اخبارنا