الاثنين، 14 أبريل 2014

حوار من المستقبل - محمد عجلان

فى ليلة قمراء أمام باب دارنا المبنية من الطوب اللبن، جلست مع حفيدي أرسم له بعض صور الماضي التي لم يشهدها وبقيتْ عالقة بجدار ذاكرتي كبردية فرعونية. كان سعيدا بضوء القمر الذي منحه فسحة من اللعب قبل أن ينال منه التعب، تعجبت لفرحه الطفولي بضوء قمر لا يتجاوز ليلة أو ليلتين كل شهر، سرحت حيث جذبتني يد الماضي يوم أن كنتُ فى مثل سنه، أخذت أتجول بين غرف ذاكرتي المسكونة بطفولة مختلفة، لكن يبدو أني قد أطلت الصمت، فإذا بيده الصغيرة تهزني فى فزع طفولي خشية أن أكون قد قُبضت، فوجئت بصوته المسكون بخوف طفل من فكرة موت حاصرته كأسطورة قديمة لا يعرف حقيقتها، فوجئت بصوته: سِيِدي سِيِدي (يقصد جدي) أفقت، وجدت وجهه مصفرا كأن الدم غادره هاربا حين استشعر الخطر وظنّ أن جده قد مات. فى هدوء ربت على كتفه بابتسامة تركت أثرها على نفسه قبل جسده، وإن بقيت ارتعاشة خفيفة على شفته .. بعد أن تمالك الحفيد نفسه سألني: لماذا صمت فجأة، ظننتك ... ثم سكت خوفا أن ينطق بكلمة الموت فى حضرتي، اتسعت ابتسامتي أكثر، أخبرته هل أنت سعيد بنور القمر؟ أجابني بدون تفكير: طبعا .. سألته هل يعتقد أنه من الممكن أن يكون هناك نور دائم كل ليلة يساعده على اللعب بحرية دون انتظار منحة القمر كل شهر، تعجب الصغير من كلامي، وسأل بسذاجة طفولية: هل من الممكن أن يبقى القمر على حاله هذا كل ليلة؟ ضحكت من تصوره، وأخبرته أننا لا يمكن أن نغير من دورة القمر أو الشمس، فازداد الأمر تعقيدا فى رأس الصغير وبرز السؤال من عينيه دون أن يتفوه به. وهنا قررت أن أخبره عن الصورة التي عدت بها من جولتي داخل ذاكرتي، أخذت أحدثه عن الكهرباء، سألته هل سمعت يوما ما عن الكهرباء، وكانت المرة الأولى التي تطرق هذه الكلمة أذني الصغير، فتساءل فى استغراب: كهرباء؟! .. أخذت أشرح للصغير ما هي الكهرباء، وكيف كانت أيام طفولتي البعيدة بين أضواء المصابيح، وأننا لم نكن ننتظر القمر كي يمنحنا بعض الضوء لنلهو على عتبات بيوتنا. استمع الصغير فى اندهاش، وأنا أقرأ على وجهه عبارة أفهمها جيدا، هل أصاب جدي خرف الشيخوخة؟! .. كهرباء .. مصابيح .. إضاءة دائمة !!! .. ابتلعت خيبتي فى صمت، ولم أرد أن أرهق عقل الصغير بصور الماضي الذي كدت أنساه، بل كدت أنكره !!

مقالات ذات صلة

حوار من المستقبل - محمد عجلان
4/ 5
بواسطة

إشترك بالنشرة البريدية

لا تترد في الإشتراك عن طريق البريد الإلكتروني،للحصول على أخر اخبارنا